يقول علماء الكونيّات، أن المجرات عبارة عن نجوم بعيدة جداً، وكثيرة جداً، تبلغ مليارات النجوم، متكدسة ظاهرياً، نظراً لبعدها عنّا، مما جعلها تعطي ما يشبه السديم الكوني ظاهرياً!
وكنت أظن هذا الاكتشاف حدث في زمن التلسكوبات الضخمة والصواريخ الفضائية والمسابير والأقمار الصناعية، ولكن تفاجأت أن هذا الادعاء، ليس سوى "فرضيّة" عمرها أكثر من 2000 سنة!
فبينما كنت اقرأ في كتاب: جمع الجواهر في الملح والنوادر، لإبراهيم بن علي الحصري القيرواني (توفي سنة 453 هـ) وجدته يقول ما نصّه: "فقد زعموا أن المجرة كواكب مضيئة مجتمعة؛ فكسف بعضها نور بعض؛ فصارت طريقاً في السماء بيضاء". اهـ
والحصري في ذلك، إنما يقل هذا عن أهل الهيئة، أي: الباحثين في هيئة الكون والأرض وحركته، وهؤلاء مجموعة من الفلاسفة والمتكلمين، الذين يدعون أنه بالإمكان معرفة كل شيء عن طريق العقل والرياضيات.
يظهر أن أول من ادعى ذلك هم الفيثاغوريين، تلاميذ مدرسة فيثاغورس الإيوني (570- 495 ق.م تقريباً) حيث كانوا يزعمون أن الأرض كوكب من الكواكب التي تدور حول النار المركزية، وليست هذه النار المركزية هي الشمس؛ لأن الشمس نفسها تدور حولها.
وبذلك، يكون الفيثاغوريين، هم أوّل من أصّل لفكرة أن المجرات عبارة عن نجوم سحيقة البعد، ومتكدّسة مع بعضها البعض، كسف ضوئها ضوء بعض، وأنهم أول من أصّل لفكرة أن المجرات تدور حول مركزها.
ومن المعلوم، أن الفلاسفة القدماء وإلى زمن الحصري وما بعده إلى قريب 300 سنة تقريباً، لم يكن عندهم تلسكوبات، وإلى وقت قريب جداً، لم يكن لديهم تلسكوبات ضخمة ومتطوِّرة ولا صواريخ فضائية ولا مسابير ولا أقمار صناعية، ولا معادلات وقوانين فيزيائية، حتى يعلموا أن هذه المجرات عبارة عن نجوم مجتمعة مع بعضها البعض وأنها تدور حول مركزها،
والسبب في ادعائهم ذلك أن فلاسفة الإغريق رأوا المجرة - مجرة درب التبانة وكان العرب يسمونها: المِجرَّة والجَرّ - معترضة في وسط السماء، ولم يكونوا قد رأوا أي مجرة أخرى حتى ذلك الحين، بل إن المجرات الأخرى لم ترى إلا في وقت متأخر! فلما رأوها أرادوا أن يعرفوا ما هي، وبحكم أن الفلاسفة يعتمدون على العقل المجرّد، افترضوا أن تكون المجرّة نجوم مجتمعة كسف بعضها ضوء بعض.
إذاً المسألة مجرد تخمين لا أكثر!
ولكن العِلم الحديث، وعصر التلكسوبات والمسابير والأقمار الصناعية والصواريخ الفضائية، أثبت أن هذه المجرة ليست سوى "سديم كوني" أي: غبار كوني، لا أكثر، إذاً الأساس الذي بنا عليه الفلاسفة القدماء تصورهم عن المجرة قد تحطم، فتلك السحب التي يقولون عنها بأنها نجوم متجتمعة ليست سوى غبار كوني، فلماذا لا يزال علماء الكونيات المعاصرون يصرون على التمسك بالتصور الإغريقي القديم؟!
السبب يعود، إلى أن الإنسان عندما يألف معلومة، يصبح من الصعب عليه التخلّص منها، فما يخالط قلبه، يصبح وكأنه حقيقة لا تقبل النقاش! ويزداد الأمر صعوبة، إن كانت هذه المعلومة مشهورة ومتداولة ومعترف بها في الساحة العلمية، وإذا كان لهذا القبول سبب عِرقي فإن التخلّص منها أمر شبه مستحيل.
فتبيّن بهذا، أن هذا الادعاء ليس سوى فرضيّة لا أكثر، تبناها الفلكيون المتأخرون بلا دليل صحيح، ولا برهان ساطع، سوى الظن.
وإن كانت الأرصاد، اثبتت أن مجرة درب التبانة، ليست سوى سديم كوني، فإن علماء الكونيات حتى الآن لم يستطيعوا تصوير أي نجم من نجوم المجرات المزعومة الأخرى! وأحياناً يتم تقريب الصور لبعض المجرات، فتبدو النجو الواقعة خلفها، فربما ظن بعضهم أن هذه النجوم هي نجوم تلك المجرة، وليست هي بذاك!
وهنا ملاحظة هامّة، وهو أن البعض، يعتقد أن المجرات هي تلك السحب التي تتشكل في أشكالٍ شتّى، وألوان وزخارف شتى، والحقيقة أن علماء الكونيّات لا يعتقدون أن هذه هي نجوم المجرّات، بل يعتقدون أن هذه السحب، ليست سوى سُدُم تلك المجرات، حيث يعتقدون أن لكل مجرة سديم خاص بها يتمركز في وسط المجرة، بينما تتبعثر كواكبها حول ذلك السديم.
وهذا التصوّر، أخذوه من السديم الذي يعترض في سمائنا، والذي يُسمّى: مجرّة درب التبانة، فلما اكتشفوا خطا فلاسفة الإغريق في تصورهم لهذا السديم، وأنه ليس سوى غبار كوني، انقدحت في أذهانهم أن يكون هذا السديم متمركز في قلب المجرة، لا أنه عين المجرّة، وأن سبب تكدسه هناك، هو بفعل جاذبيّة مركز الثقالة، وأن هذا هو الحال في جميع المجرات.
فيفترضون أن ذاك السديم هو مركز المجرة، أو ما يسمونه: ذراع المجرّة، ويفترضون النجوم المتموضعة بالقرب من ذلك السديم هي نجوم تلك المجرّة، لذلك عندما يريدون حساب بعدها، يحسبونه بالفرسخ الفلكي، لكي تكون نتائج الحسابات الرياضية كبيرة جداً، أكبر من الحسابات التي يقومون بها لأبعاد النجوم والكواكب في مجرّتنا المزعومة.
ومن رأى صورهم التوضيحية التي يلتقطونها لتلك المجرات، وكيف أن نجوم تلك المجرة المزعومة يتموضع في الفضاء كما يتموضع أي نجم يفترضون أنه منتمي لمجرتنا المزعومة، علم مدى بطلان افتراضات العلماء حول ماهيّة المجرات.
وإذا ثبت أن تصوّر العلماء لماهيّة المجرات خاطئ، فبالتالي يكون تصوّرهم لوجود العناقيد المجريّة هو الأخر خاطئ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق